نظام الحكم فى الاسلام

9  

من البديهى أنه لا يشترط تبيان كل شيىء بتفاصيله وكافة دقائقه وإنما يكفى أن يتضمن الكتاب العزيز والسنّة النبوية الشريفةالمبادىء العامة والقواعد الكليّة تاركًا التفاصيل والجزئيات لأهل كل عصر ومصر وهذا من الحكمة البالغة والإعجاز التشريعى لأنه يستحيلعلى البشر الخضوع لقوالب جامدة لا تتغير ولا تتبدّل فى ظل حراك دائم وتغيرات مستمرة فى حياة الناس ومما يحمد لأى قانون أوتشريع أن يتحلى بالمرونة وسعة الخيارات والتيسير على الخلق بما يتناسب مع كل الأحوال والظروف وإذا كان الإسلام العظيم لم يترك مجالًا من مجالات الحياة بدون أن ينظّمه بقواعد وأصول وكليات تضمن حياة حرّة كريمة لبنى الانسان إلا أن كثيرًا من الناس يتوهمون أو يزعمون – جهلًا أو حقدًا – أن الإسلام لا يحتوى نظمًا للحكم أو السياسة أوالاقتصاد أو التشريع وأنه دين فقطيقتصر على الجانب الروحى ولا علاقة له بتنظيم شؤون المجتمعات التى ينبغى أن تترك للناس وللمجالس التشريعية فى كل دولة ليُقرّروا هم بأنفسهم ووحدهم ما يريدون من دساتير وقوانين ولوائح بعيدًا عن الكتب المقدّسة التى يكفيها أن تكون زادًا روحيًا للمؤمنين بها فحسب وتتبنى معظم وسائل الاعلام فى العصر الحديث –إلا قلة نادرة هذا الطرح العلمانى المشبوه ولا تكف عن الإلحاح عليه حتى تتم عملية غسل المخ وتزييف الوعى العربى والإسلامى ولا حول ولا قوة إلا بالله العلىّ العظيم ومن أخطر الوسائل لتثبيت الفصل بين الإسلاموشؤون المجتمعاتوحياة البشرالتركيز على نشر أكذوبة أن الإسلام يتفق مع أطروحات الغرب السياسية والإقتصادية أو على الأقل لا يتعارض معها بل يتفق معها فى الأهداف وإن لم يتضمن ما فيها من وسائل ابتكرتها عقول الغرب وتطورات الحياة فى العصر الحديث فإذا كان الأمر على هذا النحو فلا داعىلاستدعاء مبادىءللحكم من القرآن الكريم أو السُنّة المشرّفة ليظل كلاهما حبيس المساجد والمكتبات ويضيفون أنه يكفينا أن نُقلّد القوم فيما سبقونا إليه طالما أنه لا يتعارض مع ديننا وهكذا رأينا كثيرًا من الكتّاب المشهورين يؤلفون مراجع وكتبًا عن الديموقراطية فى الإسلام وديمقراطية النبىوالصحابة واتفاق الإسلام مع الديمقراطية إلخ ولم يقتصر الأمر على هذا البلاء فوجدنا من يتهرّب من الواقع الأليم للمسلمين فى أوقات التخلّف والهزائم والبعد عن شرائع الإسلام ليزعم أن المجتمعات لا تحتاج إلى حريات ولا إلىتداول للسلطة بل تحتاج إلىما يطلق عليه المستبد العادل
وفى ظل الإصرار على إغراق السهل والجبل بمثلهذه الأفكار الخاطئة والمشبوهةفى كل مكان وبشتى وسائل الاعلام والتثقيف والتربية يكون من الطبيعى أن تنشأ الأجيال الجديدة من أطفال وشباب المسلمين وهى تكاد تجهل جهلًا تامًا وجود أى نظام سياسى أو اقتصادى أو إجتماعى فى الإسلام ويحسب كثير منهم أن المصحف الشريف هوللتبرّك فقط بوجوده فى البيت أو المكتب أو السيارة وأكثر ما يمكن أن يفعله المسلم بههو قراءة بضع آيات بيّنات مباركاتمنه يوميًا وخاصة فى شهر رمضان أو فى سرادقات العزاء أو فىمواسم الحج والعمرة
لكل ما تقدم نرى لزامًا على أهل العلم والدعاة أن يبادروا إلى تفنيد هذه المزاعم الخاطئة ونشر النظم والمفاهيم والمبادىء الإسلامية الصحيحة فى شتى المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية فوالله الذى لا إله إلا هو إن لدينا من الكنوز مالم ولن تملكه أمّة أخرى وإن صعدت إلى أعالىالفضاء واستقرت مراكبها على كواكب السماء نحن نمتلك بضاعة ثمينة نادرة لكننا للأسف الشديد تركناها فريسة للغبار والضباب ولم نحسن عرضها فكسدت وافتقرنا بدونها وأفلسنا أو نكاد ورحنا نتسوّل بضاعة غيرنا الفاسدة الزائفة التى لا تسمن ولا تغنى من جوع وفى هذه الدراسة المتواضعة سوف أكتفى بعون الله تعالى وتوفيقه بتفنيد مزاعم خلو الإسلام من نظم أصيلةللحكم والسياسة ثماستعراضأهم مبادىء وأسس نظام الحكم فى الدولة الإسلامية ومفاخر التشريع الحكيم غير المسبوق فى المجال السياسى بالمقارنة مع الديموقراطية السائدة فى الغرب واستعراض ملامح الدولة فى العهد النبوى ثم فى عهود الخلفاء الراشدين ولا أزعم الكمال فى العرض أو الطرح أو الاستنباط بل يكفينى أننى حاولت بقدر استطاعتى وأننى من جملة الشُداة المغرّدين المسبّحين بحمد رب العالمين وإن كان ما كتبت صوابًا فمن الله وحده لا شريك له وما كان من خطأ أو نقص أو تقصير فمن نفسى ومن الشيطان وأستغفر الله تعالىوأتوب إليه والله المستعان وهو وحده ولىّ التوفيق والإحسان

إسم القسم: .
إسم الكاتب: .
دار النشر: .
سنة النشر: .