عبر منظار اللغة
كتاب عبر منظار اللغة لم يبدو العالم مختلفا بلغات أخرى – غاي دويتشر كانت اللغة ومازالت لغزا غامضا فهل هي من صنع الإنسان وما علاقة اللغة بالطبيعة الإنسانية وغير الإنسانية في كتابه هذا يبحث عالم اللغويات غوي دويتشر عن الصلة الخفية بين الفكر الإنساني من جهة تصور الطبيعة واللغة من جهة كونها ملكة رمزية لتفسير العالم تلقي فصول الكتاب التسعة الضوء على أوجه متعددة للمسألة المركزية نفسها هل تؤثر لغة ما في إدراك الناطق بها للعالم “يقال إن لغة شعب ما تعكس ثقافته وروحه ونمط تفكيره فنجد أن استرخاء شعوب المناخات الاستوائية يدفعهم إلى الاستغناء عن العديد من الحروف الساكنة كما يمكن مقارنة الأصوات البرتغالية الرقيقة بنظيرتها الإسبانية الحادة لفهم الاختلاف الجذري بين هاتين الثقافتين المتجاورتين وتعجز بعض اللغات عن التعبير عن أفكار معقدة لفقدانها قواعد نحو منطقية بما فيه الكفاية بعكس الألمانية مثلاً التي تعد وسيلة مثالية لتشكيل أعمق وأدق الأفكار الفلسفية لكونها لغة منظمة بشكل ملحوظ تنظيماً قد يكون السبب في كون الشعب الألماني شعباً منظماً فكرياً هل يستطيع أحد أن يتحمل الاستماع إلى تلك الأصوات الخرقاء ثقيلة الدم في طيها كأنها خطوات الإوز بل تفتقر بعض اللغات إلى تصريف المستقبل فمن الطبيعي أن يعجز متحدثوها عن التفكير المستقبلي وقد يستحيل على البابليين فهم رواية الجريمة والعقاب حيث تستخدم اللغة البابلية مصطلحاً واحداً للتعبير عن المعنيين وتبدو الأجراف البحرية للنرويج جلية في نغمات لغتهم المائلة والمنحدرة ويمكنك سماع اللام الروسية الكئيبة في ألحان تشايكوفسكي الحزينة والفرنسية ليست لغة رومانسية وحسب بل هي لغة رومانسية عاطفية بامتياز والإنجليزية لغة قابلة للتكيف بل قد تكون لعوبة أما الإيطالية آه الإيطالية تلك الأحاديث البسيطة عن سمات اللغة المختلفة وطباع ناطقيها تعد من أكثر المواضيع تسلية حول مائدة الطعام غير أنه بمجرد انتقال تلك النقاشات من حميمية مائدة الطعام إلى برودة جو المكتبة فإنها سرعان ما تنهار ككعكة حكايات جوفاء مسلية وغير جدية في أفضل الأحوال متعصبة وسخيفة في أسوئها فيعجز معظم الأجانب التفرقة بين اللغة النرويجية الوعرة والسهول الممتدة للغة السويدية وتسقط الحروف الساكنة من الشعوب الدنماركية البروتستانتية الكادحة على تربتهم الجليدية أكثر من مثيلتها في أي من القبائل الاستوائية الكسولة وإذا كانت العقول الألمانية عقولاً منظمة فقد يكون سبب ذلك غرابة لغتهم الأم التي أهلكت عقولهم فلم تترك لهم مجالاً لتحمل أي شذوذ آخر ويتمكن الناطقون باللغة الإنجليزية من الاسترسال في أحاديث طويلة عن أحداث مستقبلية مستخدمين الفعل المضارع أسافر إلى فانكوفر الأسبوع المقبل من دون أن يؤثر ذلك في قدرتهم على فهم المستقبل ” حاول المؤلف الوصول إلى إجابة من موارد متعددة فبدأ باستشفاف الدراسات حول أعمال الشاعر الملحمي هوميروس والقصور المحتمل الذي تشير إلى لغته في إدراك الألوان وعرج بعدها على نظم الجهات الغريب الذي تفرضه لغات شعوب أستراليا الأصليين كما تطرق إلى الإدراك اللوني المبهم عند اليابانيين للونين الأخضر والأزرق وعرض التفاوت االغريب بين اللغات في تقسيم الأشياء وفق جنسها والصعوبات التي يعاني منها الناطقون بلغات أخرى لفهم المغزى من وراء ذلك التقسيم يبدو أنه وعلى الرغم من اتساع بساط البحث وتنوع مشاربه فإن السؤال يبقى مفتوحا على كل الإجابات المحتملة فهل ينظر الناطق بلغة ما إلى شيء محدد نظرة تختلف عن نظرة ناطق بلغة أخرى إلى الدرجة التي تجعل منه موضوع نظر مغاير لا أحد على وجه الحقيقة يعلم