ضياع في سوهو رواية لـ كولن ولسن
يقدم لنا الكاتب الإنكليزي رواية بعنوان ضياع في سوهو الذي وضع فيها رأية بكل صراحة عن الناس الذين يمثلون أنهم يعيشون حريتهم والتي هي زائفة لا يطلق عليها اسم حرية تحكي هذه الرواية قصة هاري كولن ويلسن الذي يتساءل في عالمه الضبابي من أنا وماذا سأفعل و لم جئت إلى الحياة ولم يلتقط عقله أجوبة منطقية والحياة العادية وساعات العمل اليدوي ووجوه الرفاق من العمال ترافق عينيه كل يوم ولا جديد هل ستمضي الحياة دون أن يتفجّر من داخلها شيء وجه الأم ترتسم عليه علامات حيرة ماذا عن ولدي إنه يعيش منزوياً في غرفته يقرأ الكتب الفلسفية التي لا تفهمها ويستمع إلى مقطوعات موسيقية كلاسيكية ويذهب إلى عمله حيث يحفر الأرض ليزرع فيها أسلاك التليفونات الجديدة في بلدته واقتنع هاري كولن ويلسون بأن الحياة ستمضي دون جديد وعليه أن يفتح فجوة حتى ولو كانت صغيرة في جدار سجنه الرتيب ويمرق منها كقطعة صغيرة باحثاً عن شيء جديد بحياه بعمق وبلون وبحركة؛ وذات يوم قذف نفسه نحو بحيرة التكثف البشري علّه يغوص هناك وينال شيئاً يحتضنه بإعتزاز قرب قلبه فقد باتت له حياته الماضية كثيبة حالكة كقبر مهجور لن يدفن فيه أحد وجلس وحيداً بملابسه العمالية في قطار صباحي كتب على مقدمته اسم لندن المدينة العملاقة المخيفة التي تفترس ونشوّه وتخلق وتصنع بآن واحد وكانت تدور في عقله فكرة صغيرة أنا أحيا الحياة بلا ألوان الأيام يوم واحد لا شيء ينصبّ فيها أو ينبع منها أن تتحرك ولو حركة بسيطة إلى الخلف أن تدير رأسك نحو مكان بعيد أو قريب أن تتأمل شجرة منغرسة في شارع أن تفكر في إضافة أشياء مبهمة لا تعرفها أنت لأفضل من أن تظل ساكناً كحجر كبير يرتكز على قاعدته تمثال التدفق يعني الإستمرار أنا لا مستمر ألمس الأشياء دون أن تلسعني حرارتها أرى بعينين بشريتين ولا تمييز للأشياء الدقيقة أريد أن أحيا الحياة من جديد وبشكل جديد لا جدران أن تتطاول أمامي ؛ ووصل الشاب المزدحم عقله بالكتب والموسيقى والأفكار المثالية التي تعوم دون عمق في حياته فوجد نفسه فجأة في لندن وهو الذي لم يترك بلدته الصغيرة في المقاطعات الوسطى من إنكلترا وكانت العاصمة تموج بملايين الوجه المختلفة والمتشابهة أيضاً ولم يكن يدري كيف يحرّك قدمه ليخطر الخطوة الأولى نحو الأشياء الغامضة قد ينغمس في مغامرة جريئة تضعه في صفوف المغامرين وقد يعبّ من ثقافة دسمة يضيفها إلى ثقافته التي حسب أنها ضحلة وقد تمتد نحوه يد صديقة ومعجبة وتقوده إلى دروب وعرة يسمع فيها حركات قلمه على صفحات من الورق يريد أن يكتب عن تجربة البحث عن حرية تنبعث من أعماق النفس بلا زخرفة وبلا تعقيد وبلا إلتزام وخاف من خطواته على الضياع على أرصفة لندن المعبأة بالأقدام المتحركة كحركة آلات صلدة لا وجه يعرفه لا إنسان يتحدث معه؛ وضاق بالوحدة وتنقل من مكان إلى مكان حيث الوجوه كثيفة كغابة لم تمتد إليها يد والتقى بجيمس المعلم الأكبر كان جيمس شخصية جذابة وكان مترعاً بالتجارب المتنوعة واثقاً من نفسه يحب لناس ولا يحبهم أيضاً يؤمن بالحرية الطليقة بالعيش من يوم ليوم أو بالأصح من وجبة طعام إلى أخرى وأخذ جيمس يلّقن هاري كولن ويلسون دروساً زاهية أعجب بها كولن وشدته بصدق نحو جيمس القامة المسرحية الرائعة كما وصفها كولن ويلسون وهو يعرفني به وجيمس شخصية واقعية تعوم على أرصفة سوهو بلا هدف ولم أصدق كون في بداية الأمر بأن شخصية جيمس حقيقية تعيش معنا في لندن دون أن تلعب بها الكلمات الكثيرة المندفعة من أفواه تتحرق شفافها بلا توقف إلا عندما رأيته وصافحته وعلمت أن اسمه الحقيقي تشارلز وقد وضعه كولن في روايته التي أهداها إليه كشخصية غير مزخرفة يعيش حياته دون تعقيد ويصرف آخر بنس في جيبه على أصدقائه وتعرف هاري ب دورين الفتاة التي لمحت من أحاديث كولن الخاصة إلي أنها زوجته التي أنجبت له ابنته سالي فقد أخذه جيمس يوماً إلى بيت كبير تحتله وجوه عديدة شابة تعيش الحياة بشكل بدائي كما كان يعيش الإنسان الأول وبهرته حياة الناس اللامبهرجة وذهب ليزداد إلتصاقاً بحريته التي التقطها في لندن ومرة قال لي كولن احببت الحياة في ذلك البيت وقد تعرفت على جوي زوجته التي كانت مخطوبة في ذلك الوقت لإنسان غيري وتزوجتها وعشنا معاً لمدة طويلة مع إحياء بيت ناتنغ هل ؛ أولع هاري كولن بحياة التشرد والتسكع اللامرتبطة بشيء ومقت العمل وتهرب من مسؤوليته كإنسان عامل يريد أن يحب الحياة بطريقة مبتكرة واختزن في عقله كل شخصيات سوهو المهزوزة وغير المهزوزة وانجرف مع بعضها ليعب من الخمرة وليدخن الحشيش مقلداً الدوس هكسلي كما قال لي إن حياة التسكع على أرصفة سوهو قد زودته بمعرفة يعتز بها فهو يعرف الأزقة المسدودة وغير المسدودة والأطعمة والمطاعم على أن تكون رخيصة وندرة نقوده قادته إلى المتحف البريطاني حيث كان يقتات الكتب كفأر صغير يريد أن يكون كبيراً وقرأ وقرأ وفكر ثم بدأ يكتب؛ وأخرجت المطابع اللامنتمي ثم أعقبه برواية طقوس في الظلام وجاء كتابه الثاني الذي ترجم إلى العربية بعنوان سقوط الحضارة ولكنه لم يكتب شيئاً عن حياة التشرد التي عاشها في لندن لم يخط الأشياء الحقيقية التي امتصّها بكل صدق وبدأ يفكر في رواية جديدة يلقي في سطورها بالسطور الحقيقية التي عاشها كباحث عن حرية آمن بها ثم وجدها ثم لا أدري ماذا أفعل بها