القران محاولة لفهم عصرى الكاتب د.مصطفى محمود
كتاب القران محاولة لفهم عصرى pdf الكاتب د مصطفى محمود
مقطع من الكتاب
كل منا في حياته الخاصة من تفاوت المستويات التى يمكن أن يعيش فيها لانقصد مستويات الدخل و إنما نقصد شيئاً أعمق نقصد المستويات الوجودية ذاتها
فالواحد منا يمكن أن يعيش على مستوى متطلبات جسده كل همه أن يأكل و يشرب و يضاجع كالبهيمة
و يمكن أن يسكت ذلك السعار الجسدى ليستسلم لسعار آخر هو سعار النفس بين غيرة و حسد و غضب و شماتة و رغبة فى السيطرة و جوع للظهور و تعطش للشهرة و استئثار لأسباب القوة بتكديس الأموال و الممتلكات و تربص لاصطياد المناصب
و أكثر الناس لا يرتفعون عن هذه الدرجة و بموتون عليها و لا يكون العقل عندهم إلا وسيلة احتيال لبلوع هده الأسباب
و الحياة بالنسبة لهذه الكثرة غابة و الشعور الطبيعي هو العدوان و تنازع البقاء و الصراع و الهدف هو التهام كل ما يمكن التهامه و انتهاز ما يمكن انتهازه و الواحد منهم تجده يتأرجح كالبندول من لهيب رغبة إلى لهيب رغبة أخرى يسلمه مطمع إلى مطمع و هو فى ضرام من هذه الرغبات لا ينتهي
و هناك قلة تكتشف زيف هذه الحياة و تصحو على إدراك واضح بأن هذا اللون من الحياة عبودية لا حرية و أنها كانت حياة أشبه بالسخرة و الأشغال الشاقة خضوعا لغرائز همجية لا تشبع و أطماع لا مضمون لها و لا معنى و لا قيمة كلها إلى زوال
فتبدأ هذه القلة القليلة فى إسكات هذا الصوت و فى تكبيل هذه النفس الهائجة و قد اكتشف أنها حجاب على الرؤية و تشويش على الفهم
و هكذا ترتفع هذه القلة القليلة فى الرتبة لتعيش بمنطق آخر هو أن تعطي لا أن تأخذ و تحب لا أن تكره و تصبح هموم هذه القلة هى إدراك الحقيقة
و على هذه القلة تنزل سكينة القلب فيتذكر الواحد منهم ماضيه حينما كان عبداً لسعار نفسه و كأنه خارج من جحيم
و مثل هؤلاء يموتون و قد انعتقوا من وهم النفس و الجسد و بلغوا خلاصهم الروحي و أيقنوا حقيقة ذواتهم كأرواح كانت تبتلى فى تجربة
و ما أشبه الجسد فى الرتبة بالتراب و النفس بالنار و الروح بالنور و هى مجرد ألفاظ للتقريب و لكنها تكشف لنا أن حكاية الرتب هى حكاية حقيقية و أن كل من يموت على رتبة يبعث عليها و أن هذا هو عين العدل و ليس تجبرا و قد يكون العذاب فوق الوصف إذا تجردت النفوس من أجسادها الترابية و ل يبق منها إلا سعار خالص و جوع بحت و اضطرام مطلق برغبات لا ترتوي ثم عدوان بين نفوس شرسة لا هدنة بينها و لا سلام و لا مصالحة إلى الأبد على عكس أرواح تتعايش فى محبة و تتأمل الحق فى عالم ملكوتي
أكاد أجزم بأن ألفاظ القرآن بما فيها من جلجلة و صلصلة حينما تصف الجحيم إنما هى نذير حقيقى بعذاب فوق التصور سوف نعذبه لأنفسنا بأنفسنا عدلاً و صدقاً على رتبة استحقها كل منا بعمله و أكاد أضع يدي على الحقيقة لا ريب فيها”
br
الكاتب د مصطفى محمود
حقوق الكتاب محفوظة للكاتب
br