لم يعد لأوروبا ما تقدمه للعرب لـ خالد زيادة
ما زالت الأحداث والوقائع التي يشهدها العالم العربي منذ عام 2011 تتفاعل وتنتقل من طور إلى آخر ولن تشهد إستقرارا قبل أن يتغير العالم العربي تغييرا جذريا يضعه على طريق الحداثة والاندماج في العالم المعاصر وما شهدناه من انتفاضات وصراعات داخلية وتدخلات خارجية إنما أتى في أعقاب ثبات متماد لأنظمة أحادية فما حدث ويحدث إنما يكشف عن فوات تاريخي وعجز عن تحقيق ما أنجزته دول في الجوار أو دول كانت أقل نموا وحداثة مما كانت عليه مصر وسوريا في النصف الأول من القرن العشرين إن ما يحدث من تغيير والذي سيكون سمة السنوات المقبلة يدفعنا إلى المقارنة مع ما كان قد جرى قبل حوال القرن من الزمن في حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى حين شهد العالم العربي تغيير جذريا تمثل بقيام ثورات وارتسام حدود وقيام دول وصياغة دساتير عرفت بلدان مصر وسوريا والعراق ولبنان بداية حقبة ليبرالية ظهرت خلالها برلمانات وأحزاب وصحافة وجمعيات ونقابات ونمو طبقة وسطى وملامح صناعة وطنية في نفس الوقت الذي كانت تسعى بلدان عربية أخرى إلى التحرر وبناء الاستقلال كما حدث في بلدان المغرب العربي كل ذلك في ظل عروبة تتكرس في الأدب والشعر وكتابة التاريخ كما تتكرس في نمو الشعور الوطني والمواطنة وخلال هذه الحقبة التي امتدت حتى أواسط القرن العشرين شهدنا إسلاما متسامحا ومنفتحا ترافق مع دعوات إلى تحرير المرأة وتحرير الإيمان الفردي من ثقل التقاليد جاءت انتفاضات عام 2011 بعد عقود من تسلط واستبداد أنظمة أحادية على اختلاف أشكالها ومذاهبها وعصبياتها نزل الشباب إلى الميادين ونزلت المرأة ونزل أبناء كافة الطبقات مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة إلا أن الجموع في الميادين افتقرت إلى التنظيم والقيادات والأفكار والبرامج أظهرت هذه الانتفاضات مدى الخراب الذي خلفته عقود التسلط فلم يبق من الدولة ومؤسساتها التي احتلتها سلطات الاستبداد سوى هياكل فارغة من القانون والنظام وأظهرت مدى شغور المجتمع من أحزابه ونقاباته وقواه الفاعلة وأدوات تعبيره وأدى هذا الشغور إلى بروز العصبيات الأولية من عشائرية ومذهبية لتتصارع على هيكل الدولة هذا ما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن فلم نر سوى أصوليات وعشائر ومذاهب تريد أن تحتل جزءا من الأرض وتقبض على جزء من حطام الدولة وقد سهل انهيار الدول التدخلات الأجنبية كما سهلتها الولاءات الدينية والمذهبية العابرة للحدود والأوطان إن ما يجري في العالم العربي هو نتيجة مباشرة لانقطاع مسار التحديث والإخفاق في إنتاج خطاب عقلاني معاصر يتصدى للأنظمة الأحادية يجدر في كل تصور للمستقبل أن نعيد الاعتبار للعروبة على ضوء موقعنا من العالم ليست العروبة الإندماجية التي مهدت للأنظمة الأحادية وإنما عروبة تعترف بالتنوع والأقليات والأديان والمذاهب وتقر بالوطنيات وتقيم اتحادا مبني على أسس الاقتصاد والتنمية والثقافة والاندماج في العالم أن ما آلت إليه الثورات من صراعات داخلية وتدخلات خارجية وما أصابها من تعثر إنما يعزى إلى غياب الأفكار فلا يمكن أن نصنع تغييرا دون أن تكون لنا رؤية متسقة مع متطلبات الانخراط في العالم المعاصر