فقه المقاصد الشرعية لتطبيق الشريعة الإسلامية

25  

الحمد لله أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
اللهم صل وسلم وبارك عليك سيدى يا رسول الله وعلى الذين آمنوا بك وعزروك ونصروك واتبعوا النور الذى أُنزل معك أما بعد
فمنذ أكثر من مائة عام أُثيرت إشكالية كيفية تطبيق الشريعة الإسلامية ما بين اتجاهين
الاتجاه الأول يرى تطبيق الشريعة الإسلامية وفقًا لمقاصد وغايات الشريعة التى تهدف إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد وقد تزعم هذا الاتجاه فضيلة الإمام محمد عبده رحمة الله عليه ومن سار على نهجه ومدرسته الفقهية
الاتجاه الثانى يرى ضرورة التمسك بأحكام النصوص كما وردت فى كتاب الله  والسُنة النبوية الشريفة ويرفع شعار يزعم أنه قاعدة فقهية تقول
{ لا اجتهاد مع النص }
بل يتمسك أصحاب الاتجاه الثانى أيضًا بآراء الفُقهاء القُدامى ويرفض الخروج عنها على الرغم من مرور أكثر من ألف عام على تلك الآراء وتغير أحوال الزمان والمكان
ويهدف هذا البحث إلى التأكيد على وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية وفقًا لمقاصد التشريع وليس حرفية النصوص وظواهرها وآراء الفُقهاء القُدامى رحمة الله عليهم جميعًا
وتعنى مقاصد التشريع { الغايات التى وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصالح العباد والبلاد فى الدنيا والآخرة }
يقول الأستاذ عبد الوهاب خلاف رحمة الله عليه أستاذ الشريعة الإسلامية كلية الحقوق جامعة القاهرة
{ جمهور المُسلمون مُتفقون على أن أحكام الشارع لم تُشرع لغير أسباب اقتضتها ومصالح قُصدت بها ولم تُشرع تحكمًا لمجرد إخضاع المُكلفين لسلطان القانون وإنما شُرعت لأسباب اقتضت تشريعها ومقاصد قصد الشارع إلى تحقيقها
فالشارع ما حرم ما حرمه من طعام وشراب وعقود ومُعاملات لمجرد التضييق على الناس ومُصادرة حرياتهم
وكذلك ما أوجب ما أوجبه من عبادات وصدقات وغيرها لمجرد إرهاق الناس وتحميلهم المشقات وإنما شرع ما شرعه لتحقيق مصالح عباده بدفع الضرر والحرج عنهم وجلب النفع لهم }
ومن أوضح الأمثلة على وجوب العمل بمقاصد التشريع دون التمسك بظواهر وحرفية النصوص مثال أذكره دائمًا فى كُتبى السابقة ولا أجد حرجًا فى تكراره لما فيه من دليل واضح وبرهان ساطع على وجوب العمل بمقاصد التشريع
فحينما يأمرنا المولى  بإعداد ما نستطيع من القوة لمُجابهة العدو فهذا هو الأصل المفروض علينا والذى نُحاسب عليه إن قصرنا فيه قال 
   •         •  • 
أما ما أنواع تلك القوة فهذا الأمر متروك لكل عصر ولا يُقبل ولا يُعقل أن يُقال إن الله  أمرنا بإعداد الخيول لكى نواجه بها الآن ما يمتلكه العدو من طائرات ودبابات وأسلحة كيميائية ونووية
ومُنذ سبعينيات القرن الماضى ومع بداية إدراكى لأحوال المُجتمع وما يعُج فيه من مُشكلات انطلقت دعاوى العديد من العُلماء الأجلاء تُنادى بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية وقد كان لتلك الدعاوى وقع السحر والحماس البالغ فى نفوس الناس وعلى الأخص الشباب منهم وذلك نظرًا لما حملته تلك الدعاوى من التأكيد على أن فى تطبيق الشريعة الإسلامية حلاً فوريًا لكل ما يواجه المُجتمع من مُشكلات سواء اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك من مُشكلات أخرى
وقد كان الاستناد لآية واحدة فقط فى كتاب الله  يكفى لبث هذه العقيدة والحماس فى نفوس الناس وهى قوله 
  •    •       
واستمرت تلك الدعوات ما بين شد وجذب واتجاه لتقنين الشريعة الإسلامية أو تنقية القوانين مما يُخالف أحكام الشريعة حتى وصل الأمر لنشأة جماعات تُكفر الحاكم والمُجتمع بأسره بسبب تلك الدعاوى وعانت مصر أشد المُعاناة ومازالت تُعانى من ويلات تلك الجماعات الإرهابية
بيد أن المُتأمل فى دعاوى العُلماء لضرورة تطبيق الشريعة يُلاحظ أنهم لم يضعوا برامج واقعية وفعلية لتطبيقها على المُشكلات المُعاصرة حتى يمكن مُناقشتها والنظر فى نتائج تطبيق تلك البرامج ومدى علاجها للمُشكلات المُزمنة التى يُعانى منها المُجتمع حيث اكتفوا بترديد الآية التى ذكرتها وغيرها من آيات وأحاديث أخرى تؤكد على وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية
وقد واجهتنى للأسف تجربة مريرة بعد بحث مُتعمق لأحكام الزكاة فى ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية ومُتغيرات الواقع المُعاصر نشرته فى كتاب بعنوان
{ أحكام الزكاة بين الواقع المُعاصر وفقه القرون الأولى }
وقد واجهت رفضًا شديدًا لهذا البحث من المؤسسات الدينية
حيث تمسك من أُحيل إليهم البحث لإبداء الرأى بشأنه بأحكام الزكاة الواردة فى الفقه القديم دون أى فكر أو نظر لما نعيش فيه من واقع مُعاصر تغيرت فيه الأحوال الاقتصادية والمالية تمامًا عن القرون الأولى التى دون فيها الفقه الإسلامى القديم
وأرى أن تطبيق فقه جديد لأحكام الزكاة كما ورد فى البحث الذى قدمته يُعد بديلاً لقوانين الضرائب التى لا يرى الغالب الأعم من الناس أية مشروعية دينية للالتزام بها ولا يرى المُتهرب من قوانين الضرائب أية مُخالفة دينية فى ذلك
إن الإشكالية الكبرى التى يتعذر معها تطبيق الشريعة الإسلامية هى تمسك المؤسسات الدينية وعُلماؤها بأحكام النصوص الحرفية وأقوال الفُقهاء القدامى وذلك دون إمعان النظر لمقاصد التشريع التى وضعت لأجلها تلك النصوص لتحقيق مصالح البلاد والعباد فى الدنيا والآخرة بما يتوافق مع مُقتضيات العصر
وقد شرعت فى كتابة هذا البحث نظرًا لما رأيته من إغفال المؤسسات الدينية لمقاصد الشريعة الإسلامية الأمر الذى يؤدى لصدام دائم بين أحكام الشريعة المُستمدة من آراء الفُقهاء القُدامى والواقع المُعاصر الذى يختلف اختلافًا كليًا
وجُزئيًا عن الواقع الذى كان يعيش فيه هؤلاء الفُقهاء الأجلاء رحمة الله عليهم جميعًا
وأود التنويه إلى مبحث من أحكام المواريث الذى تضمنه هذا البحث والذى يتأكد من خلاله وجوب الاجتهاد مع النص حتى وإن كان قطعى الثبوت قطعى الدلالة وهو ما كان عليه عمل الصحابة  حيث أن التمسك بتطبيق النصوص دون اجتهاد يؤدى إلى استحالة تطبيقها ويفتح الباب للطعن والتشكيك فى أحكام الشريعة الإسلامية بأسرها
وأحسب أن فى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فى ضوء المقاصد الشرعية لتلك الشريعة الغراء حلاً شافيًا كافيًا لكل المُشكلات التى تواجه المُجتمع وتقطع على أصحاب النوايا الخبيثة أى مجال للطعن والتشكيك فى أحكام الشريعة الإسلامية بزعم أنها لا تتوافق مع مُقتضيات العصر
والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل
على جمال الدين محمد جمال الدين
القاهرة فى 11 7 2018

إسم القسم: .
إسم الكاتب: .
دار النشر: .
سنة النشر: .