عندما حكموا مصر (أبرز القادة في تاريخ مصر)
هذا الكتاب يلقي الضوء علي أبرز القادة في تاريخ مصر من المصريين وغير المصريين ويوضح كيف تميزوا عن غيرهم من حكام مصر وفرضوا أنفسهم علي كتب التاريخ وكيف تعاملوا مع مصر كوطن مميز له طبيعة خاصة يختلف عن باقي الولايات التي حكمها بعضهم فقد سيطروا علي إمبراطوريات شاسعة تحتوي علي العديد من الدول وتزخر بالكثير من الشعوب والقوميات ولكن كانت لمصر معاملة خاصة دائماً فقد شاهدوا فيها ما لم يشاهدوه في غيرها وأيقنوا أنها دولة غير عادية وأنها تمتلك من المقومات والإمكانيات ما لا تمتلكه معظم الدول وبها شعب يتميز بالكثير من الصفات التي تؤهله للعمل والإنتاج وتحقيق الأمجاد والانتصارات وله طبيعة خاصة به وحده ولهذه الدولة مفتاح شخصية علي حد تعبير الكاتب والمؤرخ الكبير جمال بدوي حيث قال وضعوا أيديهم علي مفتاح شخصيتها فباحت لهم بسرها وجعلت منهم حكاماً يلهج بذكرهم التاريخ
ويوضح هذا الكتاب أيضاً طبيعة هؤلاء القادة وكيف أنهم أشخاص غير عاديين ويشتركون في العديد من الصفات علي اختلاف جنسياتهم ودياناتهم وتوجهاتهم وبيئاتهم التي نشأوا فيها قبل حكمهم لمصر وكيف أن الأوطان المميزة لا يشعر بقيمتها سوي القادة المميزون
وقد لا يشعر البعض بقيمة الشئ إلا عندما يلاحظ اهتمام شخص مميز به فيتساءل عن سر اهتمام هذا الشخص بهذا الشئ ويبدأ في إعادة تأمله وفحصه حتي يدرك حقيقته فيهتم به أيضاَ فهذا الكتاب سوف يوضح كيف اهتم عظماء التاريخ بمصر وأدركوا أهميتها وتعاملوا معها بشكل مختلف وبالتالي سيوضح لمن لا يعرف قيمة مصر الكثير عن هذا الوطن الذي قال عنه نابليون أنه الإقليم الحسن الأحسن الذي لا يوجد علي وجه الأرض مثله
وهذا الكتاب لن يركز فقط علي ما قاله بعض هؤلاء القادة عن مصر ولكنه سيركز أيضاَ علي مافعلوه علي أرض الواقع لأن الإلمام بالأفعال بلا شك سيكون أكثر تأثيراً في تكوين صورة حقيقية عن مصر من الإلمام بالأقوال فالأفعال عادةً تكون أكثر إقناعاً من الأقوال
وسوف يتضمن هذا الكتاب إن شاء الله عدة فصول تبدأ بالطبع بالحديث عن طبيعة القادة البارزين بشكل عام وبعض ما كُتِب عنهم وكذلك طبيعة الشعب المصري وبعض ما كُتِب عنه وسيكون ذلك في الفصل الأول من هذا الكتاب ثم الحديث عن مصر وبعض ما كُتِب عنها في الفصل الثاني أما الفصل الثالث فيصف ما يحدث عندما تلتقي الشخصيات الغير عادية بوطن غير عادي ثم يتناول الفصل الرابع موجز عام لجميع الدول والإمبراطوريات التي حكمت مصر علي مر التاريخ سواء دول قامت في مصر أو أخضعت مصر كولاية تابعة لها وكيف أن المصريين لم يحكموا مصر لمدة حوالي 2294 سنة تقريباَ ثم تتناول الفصول التالية تباعاً أبرز القادة في كل عصر من العصور منذ العصر الفرعوني بحيث يتم تخصيص فصل لكل عصر علي حدة يبدأ بموجز عام وفكرة مبسطة عنه ثم الشخصيات البارزة فيه أما الخاتمة فتلقي الضوء علي الاختيار الصعب الذي كان يتحتم علي القادة الغير مصريين اختياره عند حضورهم إلي مصر فهل يختار القائد أن يعود إلي عاصمة ملكه ويترك والياً علي مصر مع اتخاذ بعض الإجراءات والضمانات في مصر قبل عودته أم يتخذ مصر عاصمة لملكه ويترك وطنه الذي نشأ فيه وهو ما فعله العديد من القادة علي مر التاريخ من أمثال أبوفيس وشاشنق الأول وبعنخي وبطليموس الأول وأحمد بن طولون وأبو بكر الإخشيد والمعز لدين الله الفاطمي وصلاح الدين الأيوبي وسلاطين المماليك ومحمد علي باشا كما سنري إن شاء الله
ويطيب لي أن أذكر في هذه المقدمة موقف تاريخي قد يوضح ويغني عن الكثير من الكلام والوصف وهو موقف طريف حدث في مصر في عصر الخليفة العباسي المأمون وهذا الموقف يدل علي مكانة مصر وجمالها وحضارتها كما يدل أيضا علي مكانة بغداد عاصمة العباسيين وجمالها وحضارتها في ذلك الوقت فعندما حضر الخليفة المأمون إلي مصر لم تعجبه كثيرا عندما قارنها ببغداد فقال لمن معه ما معناه لعن الله فرعون حيث قال { يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ} فلو رأي بغداد وجمالها ما كان ليقول ذلك عن مصر فقال له صاحبه يا أمير المؤمنين ألم تقرأ قول الله تعالي {وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ} فما ظنك بشئ دمره الله هذا بقيته
وهناك العديد من المواقف التي يتضمنها هذا الكتاب توضح للقارئ مدي روعة هذا البلد الذي ذكره المولي عز وجل في كتابه الكريم ووصفه بالمقام الكريم عند خروج بني اسرائيل ووراءهم فرعون وجنوده {فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ *وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ }