السلطان والمنزل لـ محمد شعبان صوان
في سنة 1896 كتب الأديب إبراهيم المويلحي بقصد السخرية من ضعف الدولة العثمانية إنها في ميزان الدول العظام أخفهن على الإطلاق كفة وأقلهن رجحانا كأن هذا أقصى ما تعاب عليه الخلافة العثمانية دولة عظمى ولكنها ضعيفة في زمننا هذا نرى كلام المويلحي ترفا فكريا فالحال الذي سخر منه وهو أن نكون ضمن الدول العظمى وإن كنا أضعفها أصبح حلما بعيد المنال في زمن دول التجزئة المجهرية التي لا قيمة ولا وزن لها على الإطلاق في الساحة العالمية ولقد كتب الكثير عن ضعف الدولة العثمانية في آخر مراحلها وعن حالة الهزيمة والتراجع التي سيطرت عليها ولكن ما تحاول هذه الدراسة إظهاره أن هذه الدولة لم تستسلم للضعف الذي حل بها بعد قرون من القوة والتقدم وذلك بقيامها بجهود كبرى على جبهتين مقاومة التمدد الإمبريالي الغربي الذي حاول دائما إبقائها ضعيفة متخلفة يسهل استغلالها وابتزازها بالإضافة إلى جبهة البناء الداخلي للخروج من الضعف والتخلف وقد حققت الخلافة العثمانية إنجازات كبرى على الجبهتين رغم أنها كانت في آخر أيامها وتمكنت من ذلك بالإمكانات الواسعة التي وفرها المجال الموحد الذي كانت تمثله والذي فرض عليها من جهة أخرى منطق الدولة العظمى الذي لا يجيز لها التخلف عن بقية الكبار وإن طرأ عليها ضعف في زمن سبقت فيه أوروبا العالم كله فإن عليها سرعة الاستدراك وذلك خلافا لدول التجزئة التي قامت على أنقاض العثمانيين وولدت ميتة منذ البداية فلم تستطع الاعتماد على أنفسها في الدفاع عن وجودها أو إطعام سكانها أو كفاية حاجاتهم وذلك لقلة مواردها وعدم تكاملها مع بعضها البعض بل تنافسها وتحاسدها مما هو من طبيعة التعدد والانقسام والتي جعلت الحل الأسهل لبقاء أصحابها هو التبعية لمستغليها من الدول الكبرى المعادية ولهذا هضمت حقوقنا واستبيح وجودنا وزال أثرنا في الساحة العالمية وثبت أن حالة الوحدة مع ضعفها أفضل من الانقسام بعافيته