التحليل الروائي لسورة النساء
يَتناول منهج التحليل الروائي للقرآن آيات السورة القرآنية بشكل تحليلي بالغ الدقّة بعد أن يقدّم مَدخلاً إلى أجواء السورة كتمهيد للتحليل وكتاب التحليل الروائي لسورة النساء مأخوذ عن المجلّد الأول لهذا المشروع التفسيري الحديث للقرآن الذي صَدَرَت طبعته الأولى في إقليم كردستان العراق سنة 2016 وتضمَّن سور الفاتحة البقرة آل عمران النساء المائدة إن ما يميّز هذا العمل لمؤلّفه السوري عبد الباقي يوسف أنّه يركّز على عمليّة استخراج المعاني من خلال تفكيك كلمات الآية وتحليلها بأسلوب روائي تشويقي حيث يشعر القارئ بلذّة ومتعة تلقي المعاني القرآنية وهو يستأنف القراءة في حالة من المتعة والدَهشة فهو عمل يُعنى بمتعة وإدهاش القارئ وهو يقدّم له جواهر المعاني المَستَجَدّة وفق المنجز البشري الحديث وقد وظّف المؤلّف خبرته الروائية والقصصية الطويلة حيث تحتوي المكتبة الروائية والقصصية العربية على مؤلفات شهيرة له ولعلّها المرة الأولى في حقل التفسير القرآني أن المفسّر ينطلق من أرضيّة متمكّنة في تقنيات الرواية والقَصّ ثم يُوظِّف هذه الخبرة والإمكانات اللغويّة بأسلوب قريب إلى مختلف شرائح القرّاء وفق سبك رفيع المستوى وفنيّة عالية ولغة جميلة فلا يشعر القارئ إلاّ وأنّه يقرأ عَمَلاً روائياً بَديعاً وقطعة أدبيّة نفيسة يقول المؤلف في مقدّمته لهذه السورة إننا إزاء أكثر سور القرآن نساءً وأكثرها امتلاءً بالنساء حيث لم تدع امرأة يمكن أن تكون للرجل علاقة بها إلاّ وأتت إلى تفصيلها وإلى بنية العلاقة بينه وبينها ابتداءً بالأم والأخت وابنة الأخ وابنة الأخت والزوجة والابنة ثم أكثر من زوجة واحدة و أخت الزوجة فأم الزوجة فابنة الزوجة إلى زوجة الأب وزوجة الابن وابنة الابن وابنة البنت ثم العمّة والخالة وبناتهما امتداداً إلى المرأة التي رضعتك وبناتها والمرأة اليتيمة والجارة والخادمة ثم تفصّل لك العلاقة بالمرأة في حال نشوزها ودرجات النشوز وتعاملك مع تلك الدرجات ثم الخلافات الزوجية وما يمكن أن تبلغها من درجات ثم المرأة الزانية التي تخون زوجها ثم المرأة التي يكون لها صاحب سرّي ثم الفتاة التي تأتي الزنا ثم الصِداق ثم كيفية تصرّف المرأة بأموالها ثم كيف ترث وكيف تورَث وموقفك من ممتلكات زوجتك وامرأة عقدتَ عليها ولم تدخل بها ثم المرأة التي طلّقتها فلا تكاد السورة تدع امرأة يمكن أن يصبح لك علاقة بها سواء من قريب أو من بعيد إلاّ وتعرضت لها بدقة وتفصيل ويقول إننا نلج عالم النساء في سورتهن المدنية نرى من خلال هذه السورة كيف أنهن ينتشرن في ثنايا آيات سور أخرى كما أننا سنأتي إلى أحاديث نبوية وإلى روايات للصحابة والتابعين وإلى أسباب النزول ونتخذ من ذلك معيناً ونحن نلج عالم النساء لنعرف ما لانعرف عنهن فكل ما عرفناه عن المرأة من خلال الخبرة والتجارب والثقافة العامة سيكون في كفة وما سنعرفه في سورتهن سيكون في كفة أخرى راجحة على تلك فكل ذلك كان من منطلق خبرة بشرية ومنظور بشري محض بيد أننا هنا أمام خطاب الله المحض أمام شرح الله المحض للمرأة ولعلّ ما يميّز هذه الإشراقات واللمعات المعرفية أن الرجل وهو يتعرّف على المرأة إنما يزيده ذلك معرفة بذاته وخصائصه أيضاً كما أن المرأة ايضاً في هذه السورة تلج عالمها لتعرف عن خصائصها ما لم تكن تعرف ومن خلال ذلك يمكنها أن تتعرف على الرجل أيضاً بما لم تكن تعرف لأن معرفة أحدهما للآخر هي معرفة لذاته ومعرفة أحدهما لذاته هي معرفة للآخر ثم يقول مَن هي المرأة وكيف تعرّف الرجل إليها ما كان حال آدم عندما كان وحيداً وما الذي كان يفعله عندما تم خلق المرأة منه ثم كيف كانت نظرته الأولى إلى المرأة وهو يلقي إليها أول نظرة هي تلقي إليه أول نظرة وما كان شعورها وهي تتفاجأ بنفسها لأول مرة أمام الرجل في عالم لا يوجد فيه غيرهما من الجنس البشري كيف تلقى آدم هذه المفاجأة ومَن الذي بادر أولاً بالكلام وما هي أول كلمة قيلت ثم ما هي أول كلمة قالها الطرف الآخر كيف بدأ كل طرف يكتشف الطرف الآخر وكيف بدأت مشاعرهما تتفاعل لحظة لحظة حتى بلغا إلى مرحلة متطورة وقع التآلف بينهما في ذاك المكان الذي انفردا فيه وأسسا في أجوائه رائحة الجنس البشري وهل حملت أول امرأة بشرية بأول إنسان نتيجة الجماع وهي في الجنة وإن كان أول رجل وأول امرأة قد خُلقا في الجنة ثم أن أول عملية جِماع ولقاح وقعت بينهما في الجنة لماذا لم يدع الله نسلهما يتكاثر في الجنة بل أنزلهما إلى الأرض حتى تحدث الولادة فيها فقد رأى آدم نفسه وحيداً في عالم الجنة التي خلقه الله فيها وفجأة بينما هو نائم فقد تمت عملية الاستئصال من ضلعه ليتشكل من ذلك كائن تفاجأ به أمامه عندما فتح عينيه فما الشعور الذي راوده حينذاك وهو يرى ما يرى هل أحس بشيء من الأنس لعل ذلك قد حدث ولعل الرجل بصفة عامة قد ورث هذا الشعور الأولي عن أبيه وهو يرى امرأة ولعل مرد هذا الأنس الذي دغدغ مشاعره هو أنه أحس بشيء من الألفة والمودة تجاه هذه الكائنة كونها قد استؤصِلت من لحمه ودمه ولعله لو تفاجأ بذئب أمامه ما كان له أن يبقى في هدوئه وطمأنينته بيد أنه لبث في حالة هدوء وكأنه يخشى أن يغمض عينيه فتتلاشى من أمام ناظرَيه وهو يستأنس بحضورها المباغت وإن كان هذا للرجل فما حال هذه المرأة الأولى وهي ترى نفسها قبالة رجل لعلها في ذات اللحظات كانت تشارك الرجل ذات الشعور وهي في دهشة من أمرها فمَن هي ومَن هو هذا الكائن الماثل أمامها ورغم ذلك فإنها مطمئنة لاتبدو عليها علامة للفزع كما لا تبدو عليه