التاريخ الثقافي لمصر الحديثة لـ د وائل إبراهيم الدسوقي
تعد هذه الدراسة عن تاريخ المؤسسات العلمية والثقافية في مصر في القرن التاسع عشر من الموضوعات التي تأخرت الكتابة فيها على نحو ملفت وأقصد بها موضوعات التاريخ الثقافي لمصر في العصر الحديث فلقد انصرف معظم الباحثين والمؤرخين إلى موضوعات التاريخ السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقليل منهم قدم إسهامات في التاريخ الفكري سواء من خلال دراسة أحد المفكرين أو المثقفين أو معالجة تيار بعينه وقد لاحظ بعض المثقفين والمهتمين أن هناك نقصا شديدا في الكتابة عن التاريخ الثقافي لمصر ولعل هذا كان وراء اقتراحي على وائل الدسوقي أن يدرس في هذا المجال عندما جاء يستشيرني في موضوع يعده لدرجة الدكتوراه تحت إشرافي وتحمس تلميذنا النجيب الموضوعي للموضوع وشرع يعد دراسة فيه منذ سنوات واستطاع أن يبلي فيه بلاء حسنا أشادت به اللجنة العلمية التي ناقشته في دراسته وعلى رأسها أستاذنا الجليل الدكتور عبد الخالق لاشين والمؤرخ المرموق الأستاذ الدكتور محمد صابر عرب وقدرته اللجنة خير تقدير بأن منحته عنها درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى بل وأوصتني أن أنشر هذه الدراسة في سلسلة مصر النهضة لقيمتها العلمية ولأنها تسد فراغا في موضوعات التاريخ الثقافي لمصر وأود أن أشير إلى ما قصده المؤلف من المؤسسات العلمية بأنه يعني المؤسسات غير التعليمية كمدارس التعليم العام والمدارس العليا والأزهر فهو يقصد وبالتحديد الجمعيات الثقافية العامة من أهلية أو حكومية والتي تهتم بالعلم والعلوم – وليس بالتعليم بمعناه المألوف ومؤسساته المعروفة – فقد كتب الكثير عن تاريخ التعليم في مصر وسيلاحظ القارئ الكريم أن المؤلف اتبع خطة واضحة في فصول دراسته الخمسة ميز في الفصلين الأوليين بين المؤسسات ذات الرعاية الحكومية وبين الجمعيات والهيئات ذات الطابع الأهلي أو بالتعبير المعاصر التي أقامها المجتمع المدني سواء كانت جمعيات مصرية أو أجنبية أو حتى مختلطة وقد تناول فيها جميعا تطور المجمع العلمي الذي كان الفرنسيون قد أقاموه في مصر زمن احتلالهم لها فضلا عن دار الأوبرا والمرصد الفلكي ودار الكتب والجمعية الجغرافية كما تناول الجمعيات التي اختصت بالمعارف والعلوم واللغة والطب والمسرح الخ كذلك خصص كاتبنا فصلا مهما عن الجمعيات ذات الطابع الديني سواء كانت مسيحية أو إسلامية أو يهودية خيرية كانت أو ثقافية أو اجتماعية ولما كان القرن التاسع عشر هو عصر الاكتشافات الأثرية في مصر فقد حظيت مؤسسات الآثار من مدارس ومعاهد ومتاحف باهتمام خاص من الكاتب عندما عالج تاريخها في مختلف عصور مصر الفرعونية واليونانية – الرومانية والقبطية والإسلامية ولما كانت مصر لم تعرف المطبعة العربية قبل القرن التاسع عشر فقد ناقش المؤلف أهمية المطبعة كمؤسسة ثقافية وتناول نشأة المطابع والطباعة وصناعة الكتاب وتاريخ حركة النشر في فصل خاص كشف فيه عن دور المطابع الحكومية والأهلية وكذلك المطابع الأجنبية في نشر الكتب والمؤلفات العلمية والثقافية بشكل عام