أفكار غيرت العالم
يرصد الكتاب أهمَّ الأفكار والنظريّات العلمية والأدبية والفنيّة التي كان لها دور رئيس في تغيير نظرتنا إلى العالم أو في تغيير أسلوبنا في التعامل معه
وهنا نتساءل معك عزيزي القارئ هل حقّاً تبقى الأفكار تحوّمُ في الهواء دون أن يعبأ بها أحد كما يظنُّ بعضُ الناس أم أنّ للأفكار فاعليةً لايمكن التغاضي عنها حتى ولو أنكر الناسُ ذلك
وسرعان مايتّضح الجوابُ حين نعلم أن بعضَ الأفكار بقيت في إطار وجهات النظر التي لم تجد من العلماء من يؤيّدها ويحاول تمحيصها على محكّ الواقع وبعضها لم يكن يستحق هذا العناء …
لكنَّ هناك أفكاراً حصلت على جواز سفر لتنتقل من شاطئ النظر إلى ضفّة العمل واستطاعت أن تغيَّر العالمَ من حولنا وتبدّل نظرتَنا إليه وإلى أنفسنا فيه
وهي بالذات تلك التي نحاول أن نتذكَّرَ بعضَ تفاصيلها في كتابنا الذي يحاول إضاءة نقاط التحوّل التي أثّرت في تبدّل شكل الحياة وأساليب العيش فيها وأثرتها بأفكار وعادات وأعراف جديدة كانت نتيجة طبيعية للمعارف المتصاعدة التي أدّت إلى تطوّر العلوم والفنون والآداب عاكسة هذا التطوّر الجديد بدرجات مختلفة
* * *
لاشك أنك تعلم عزيزي القارئ أن التغيّرَ ليس عملية ميكانيكية أحادية الجانب إنه عملية معقّدة تتشابك فيها عوامل كثيرة لايمكن رصدها إلاّ عبر دراسة تفصيلية ومتابعة دقيقة تقدّم نظرة شاملة للعالم نرأف بك عن متابعتها … ولعل كتابنا الذي هو في الأصل برنامج إذاعي حاولت حلقاته القيام بهذه المهمة بشكل غير مباشر تاركة للسادة المستمعين استخلاص النتائج من خلال طريقة عرض الأفكار التي كان لها دور حاسم في تغيير العالم
* * *
لقد ظنّ الناس قديماً أن الأرض هي محور الكون وأن الشمسَ تدور حولها ثم تبيّن لهم أن الأرض ليست مركز العالم وأنها تدور
فهل الكون هو مانعرفه عنه أم أننا لانعرف إلاّ القليل
* * *
نحن لسنا مانعلم ولكن كلّما زادت معارفنا نصبح غير مانحن عليه الآن إننا بعد معرفتنا أكثر منّا قبلها
لذلك ليست معرفة الأفكار المفصلية العظيمة في تاريخ البشرية شيئاً يمكن أن يُصنّف تحت بند أن المرء يحشر أنفه في مالا يعنيه وذلك لأننا ننعم بكثير من المكتسبات التي كانت نتيجة مباشرة لتلك الأفكار وبالمقابل فإننا نعاني من ويلات كثيرة هي بمنزلة ضرائب ندفعها نتيجة التطوّر الحاصل
لقد مرّ برج الحضارة بمراحل كثيرة ساهمت بعضُ الأفكار في شموخه وارتفاعه وتعرّض إلى هزّات هدّدت بهدمه كما التقى بهندسات ناشزة جعلت بعض شرفاته نتوءاتٍ تشوّه وجه الحضارة وتدل على الخلل الحاصل فيها ومن ذلك مافعله رجال الكنيسة الأوروبية في مطلع عصر النهضة أو كما فعل ميكافيلي أو هتلر وغيرهم وإلى الآن تحافظ الحضارة الإنسانية الراهنة على برجها من الانهيار كي لاتتبع الحضارات المندثرة
ولعلّها تفلح في ذلك إذا سادت أفكار تعلي من شأن القيم وتقنع الدول العظمى بإبطال مفعول الشيطان الذرّي الذي تحاول بوساطته أن تتحكّم بمصير العالم
ولعلّنا نستخلص من خلال الكتاب أن الأفكار العظيمة والنظريات العلمية هي مكتسبات إنسانيّة لا هويّة لها بدليل أن أصحابها مختلفو الجنسيات والمشارب والأديان والانتماءات انطلقوا من محيطهم الضيّق إلى العالم الرحب حيث عمّت أفكارهم ونظرياتهم العالم مجتازة كلّ الحدود
عزيزي القارئ لقد حاول البرنامج أن يقدّم الأفكار بشكل مبسّط لا ينفر منه المستمع غير المختص بل يحضّه الفضول لاكتشاف المزيد كما نحاول عرضه بجمل مكثّفة لا يملّ المختص من قراءتها وإن كانت لا تقدّم له أي جديد من حيث الأفكار التي برزت عند المفكرين و إنما قُدمت بأسلوب مختلف و عبر تسلسل زمني يعتمد تاريخ ولادة المفكرين الذين يردون فيه و من دون النظر إلى تصنيفاتهم في كتب أخرى إلى فكر غربي و آخر شرقي و ثالث عربي و إنما نظن أن الحضارة ميراث إنساني يرث معطياتها اللاحق عن السابق من دون أن نأخذ بالاعتبار هوية الوارث أو المورث
ونحن لا نطمح في كتابنا هذا أن نغير التاريخ بل جلّ ما نأمله أنكم عندما يقع بين أيديكم أن تقرؤوه بإمعان وأن يحفزكم على مزيد من التفكير دون أن تملّوه حتى ينتهي